الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط
.فَصْلٌ فِي ذَكَرِ الْمَسَائِلِ الْمَعْدُودَةِ: لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:إذَا فَرَغَ الْمُصَلِّي مِنْ تَشَهُّدِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى انْقَضَى وَقْتُ مَسْحِهِ أَوْ وَجَدَ فِي خُفِّهِ شَيْئًا فَنَزَعَهُ فَانْتَقَضَ بِهِ مَسْحُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَمُصَلِّي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَمُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَالْعَارِي إذَا وَجَدَ ثَوْبًا وَالْأُمِّيُّ إذَا تَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالْقَارِئُ إذَا اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا وَالْمُومِئُ إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُصَلِّيَ إذَا تَذَكَّرَ الْفَائِتَةَ وَصَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ إذَا بَرِئَ جُرْحُهُ أَوْ ذَهَبَ وَقْتُهُ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمُصَلِّي الْفَائِتَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ.وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَدْ مَضَتْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَخَرَجَ بِهَا عَنْهَا وَجَازَتْ عَنْهُ.فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَسَائِلُ تَبْتَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَاحْتِجَاجُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا رَفَعَ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَلِأَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ لَوْ تَكَلَّمَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ حَادَثَ الْمَرْأَةَ الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَلَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لَفَسَدَتْ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا تَفْسُدُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَحْرِيمٌ وَتَحْلِيلٌ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ إلَّا بِصُنْعِهِ كَالْحَجِّ وَتَقْرِيرِهِ أَنَّ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَوْ أَرَادَ اسْتِدَامَةَ التَّحْرِيمَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ إلَى دُخُولِ صَلَاةٍ أُخْرَى مُنِعَ مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ كَمَا قَالَ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ، وَالْكَلَامُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْمُحَاذَاةُ وَالْقَهْقَهَةُ صُنْعٌ مِنْ جِهَتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَنَزْعُ الْخُفِّ أَيْضًا صُنْعُهُ.(قُلْنَا) هُوَ صُنْعٌ غَيْرُ قَاطِعٍ حَتَّى أَنَّ غَاسِلَ الرِّجْلَيْنِ لَوْ فَعَلَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَا يَضُرُّهُ وَلِهَذَا قِيلَ تَأْوِيلُهُ إنْ كَانَ الْخُفَّ وَاسِعَ السَّاقِ لَا يَحْتَاجُ فِي نَزْعِهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالِاسْتِخْلَافُ أَيْضًا صُنْعُهُ (قُلْنَا) نَعَمْ وَلَكِنَّهُ صُنْعٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ يَتَأَدَّى فَرْضُ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَلَوْ كَانَ الْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضًا لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَجِّ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَاعْتِرَاضُ الْمُغَيِّرِ لِلْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعَوَارِضُ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ وَالْقَهْقَهَةُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْمُحَاذَاةُ مُبْطِلٌ لَا مُغَيِّرٌ (فَإِنْ قِيلَ) فَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي خِلَالِ الْفَجْرِ مُبْطِلٌ لَا مُغَيِّرٌ وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ.(قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُغَيِّرٌ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ خَارِجًا بِهِ مِنْ التَّحْرِيمَةِ، وَجَمِيعُ مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا اعْتَرَضَ قَبْلَ السَّلَامِ، كَذَلِكَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ بَاقِيَةٌ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ.أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا شَكَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ بِالسَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْ التَّحْرِيمَةِ وَلِهَذَا لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْمُسَافِرِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يُسَلِّمُ إحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ التَّحْرِيمَةِ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا، فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْعَوَارِضِ الْمُفْسِدَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِالسَّلَامِ عِنْدَهُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» فَكَمَا أَنَّ التَّحْرِيمَ مِنْ الصَّلَاةِ مُخْتَصٌّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ فَكَذَلِكَ التَّحْلِيلُ.(وَلَنَا) حَدِيثُ «ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ قَالَ لَهُ إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ خِطَابٌ مِنْهُ لِلنَّاسِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَهُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ عَمْدًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يَكُونُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» الْإِذْنُ بِانْقِضَائِهَا فَإِنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْ النَّاسِ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُكَلِّمُونَهُ وَعِنْدَ التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَالْعَائِدِ إلَيْهِمْ فَلِهَذَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لَا أَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَعَادَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ مِنْ الْأَرْكَانِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ،.وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْقَعْدَةِ مَا يَأْتِي فِيهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَفْرُوضَ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَالتَّشَهُّدُ إذَا أُطْلِقَ يَفْهَمُ مِنْهُ هَذَا.وَفِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الْأُمِّيِّ يَتَعَلَّمُ السُّورَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَيَبْنِي كَالْقَاعِدِ يَقْدِرُ عَلِيٌّ الْقِيَامِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيَّ ضَرُورَةٌ مَحْضَةٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَهُوَ قِيَاسُ الْمُومِئِ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ..بَابُ الْأَذَانِ: الْأَذَانُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الْآيَةَ، وَتَكَلَّمُوا فِي سَبَبِ ثُبُوتِهِ فَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «مَرَّ أَنْصَارِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ حَزِينًا وَكَانَ الرَّجُلُ ذَا طَعَامٍ فَرَجَعَ إلَى بَيْتِهِ وَاهْتَمَّ لِحُزْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الطَّعَامَ وَلَكِنَّهُ نَامَ فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ أَتَعْلَمُ حُزْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّ ذَا هُوَ مِنْ هَذَا النَّاقُوسِ فَمُرْهُ فَلْيُعَلِّمْ بِلَالًا الْأَذَانَ» وَذَكَرَهُ إلَى آخِرِهِ وَالْمَشْهُورُ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ تَارَةً وَيُعَجِّلُهَا أُخْرَى فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي عَلَامَةٍ يَعْرِفُونَ بِهَا وَقْتَ أَدَائِهِ الصَّلَاةَ لِكَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْجَمَاعَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَنْصِبُ عَلَامَةً حَتَّى إذَا رَآهَا النَّاسُ أَذِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ بِضَرْبِ النَّاقُوسِ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ النَّصَارَى، وَبَعْضُهُمْ بِالنَّفْخِ فِي الشَّبُّورِ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْيَهُودِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْبُوقِ فَكَرِهَهُ لِأَجْلِ الْمَجُوسِ فَتَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ: فَبِتُّ لَا يَأْخُذُنِي النَّوْمُ وَكُنْت بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إذْ رَأَيْت شَخْصًا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ وَفِي يَدِهِ شِبْهُ النَّاقُوسِ فَقُلْت: أَتَبِيعُنِي هَذَا؟ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَضْرِبُهُ عِنْدَ صَلَاتِنَا، فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْت: نَعَمْ فَقَامَ عَلَى حَذْمِ حَائِطٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَأَذَّنَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ: رُؤْيَا صِدْقٍ، أَوْ قَالَ: حَقٍّ أَلْقِهَا عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَمَدُّ صَوْتًا مِنْك فَأَلْقَيْتهَا عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَى سَطْحِ أَرْمَلَةٍ كَانَ أَعْلَى السُّطُوحِ بِالْمَدِينَةِ وَجَعَلَ يُؤَذِّنُ فَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي إزَارٍ وَهُوَ يُهَرْوِلُ وَيَقُولُ لَقَدْ طَافَ بِي اللَّيْلَةَ مَا طَافَ بِعَبْدِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ سَبَقَنِي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَثْبَتُ».وَرُوِيَ أَنَّ سَبْعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ رَأَوْا تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُنْكِرُ هَذَا وَيَقُولُ تَعْمِدُونَ إلَى مَا هُوَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ فَتَقُولُونَ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَا كَلًّا وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَجُمِعَ لَهُ النَّبِيُّونَ أَذَّنَ مَلَكٌ وَأَقَامَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى قَالَ كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ أَذَّنَ جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ فَسَمِعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ.ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَذَانِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: (أَحَدُهَا) فِي التَّرْجِيعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (وَصِفَتُهُ) أَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ- الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَخْفِضُ بِهِمَا صَوْتَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَأْتِيَ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ يَرْفَعُ بِهِمَا صَوْتَهُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَلَا يَكُونُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً إلَّا بِالتَّرْجِيعِ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّرْجِيعِ نَصًّا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ قِيَاسَ التَّكْبِيرِ فَكَمَا أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظَةِ التَّكْبِيرِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَةُ الشَّهَادَتَيْنِ.(وَلَنَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ الْأَصْلُ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْجِيعِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ قَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَلَا تَرْجِيعَ فِي هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ فَفِيمَا سِوَاهُمَا أَوْلَى.وَأَمَّا لَفْظُ التَّكْبِيرِ فَدَلِيلُنَا فَإِنَّ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ لَمَّا كَانَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ قُلْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّكْرَارِ حَالَةَ التَّعْلِيمِ لِيَحْسُنَ تَعَلُّمُهُ وَهُوَ كَانَ عَادَتُهُ فِيمَا يَعْلَمُ أَصْحَابُهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ.وَقِيلَ «إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ مُؤَذِّنَ مَكَّةَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفَضَ صَوْتَهُ اسْتِحْيَاءً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْهَدُوا ذِكْرَ اسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ جَهْرًا فَفَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ فَيَرْفَعَ صَوْتَهُ لِيَكُونَ تَأْدِيبًا لَهُ».(وَالثَّانِي) فِي التَّكْبِيرِ (عِنْدَنَا أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَاسَهُ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ يَأْتِي بِهِمَا مَرَّتَيْنِ.(وَلَنَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْأَذَانِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّكْبِيرُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَأْتِي بِهِمَا مَرَّتَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ.(وَالثَّالِثُ) أَنَّ آخِرَ الْآذَانِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَاعْتَبَرُوا آخِرَهُ بِأَوَّلِهِ وَيَرْوُونَ فِيهِ حَدِيثًا وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالِاعْتِمَادُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَا تَوَارَثَهُ النَّاسُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا.قَالَ (وَيَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي أَذَانِهِ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدَمَاهُ مَكَانَهُمَا) وَلِأَنَّ الْأَذَانَ مُنَاجَاةٌ وَمُنَادَاةٌ فَفِي حَالَةِ الْمُنَاجَاةِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَعِنْدَ الْمُنَادَاةِ يَسْتَقْبِلُ مَنْ يُنَادِي لِأَنَّهُ يُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى السَّلَامِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا لِأَنَّهُ يُخَاطِبُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الْمُنَاجَاةِ قَالَ (وَالْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى كَالْأَذَانِ عِنْدَنَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْإِقَامَةُ فُرَادَى فُرَادَى إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا مَرَّتَانِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ فَمَعَ التَّكْرَارِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَالْإِقَامَةَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَالْإِفْرَادُ بِهَا أَعْجَلُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَوْلَى (وَلَنَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ الْأَصْلُ كَمَا بَيَّنَّا.وَمَرَّ عَلِيٌّ بِمُؤَذِّنٍ يُوتِرُ الْإِقَامَةَ فَقَالَ: اشْفَعْهَا لَا أُمَّ لَك وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَذَانَيْنِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَلَوْ كَانَ مِنْ سُنَّتِهِ الْإِفْرَادُ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ.وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعْنَاهُ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذِّنَ بِصَوْتَيْنِ وَيُقِيمَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَثْنَى كَالْأَذَانِ حَتَّى اسْتَخَفَّهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فَأَفْرَدَهُ لِحَاجَةٍ لَهُمْ (وَقَالَ) مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُفْرَدُ وَقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَيْضًا وَيَرْوِي فِيهِ حَدِيثًا عَنْ سَعْدٍ الْقُرَظِيِّ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالشَّاذُّ هِيَ مَسْأَلَةٌ لَا تَكُونُ حُجَّةً.قَالَ (وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ عِنْدَ أَذَانِهِ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ إذَا أَذَّنْت فَاجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَنْدَى لِصَوْتِك» وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ فِي صَوْمَعَتِهِ يَتْبَعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَا هُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ.وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ حَاصِلٌ.قَالَ (وَإِنْ اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ لَمْ يَضُرَّهُ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِتَحْوِيلِ الْوَجْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا بِدُونِ الِاسْتِدَارَةِ لِتَبَاعُدِ جَوَانِبِ الْمَحَلَّةِ فَالِاسْتِدَارَةُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ قَالَ (وَلَا يُثَوِّبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْفَجْرِ) وَكَانَ التَّثْوِيبُ الْأَوَّلُ فِي الْفَجْرِ بَعْدَ الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ وَهُوَ حَسَنٌ.أَمَّا مَعْنَى التَّثْوِيبِ لُغَةً فَالرُّجُوعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ عَمَلِهِ تَعُودُ إلَيْهِ وَيُقَالُ ثَابَ إلَى الْمَرِيضِ نَفَسُهُ إذَا بَرَأَ فَهُوَ عَوْدٌ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ كَحُصَاصِ الْحِمَارِ فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ فَإِذَا ثَوَّبَ أَدْبَرَ فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ فَإِذَا أَقَامَ أَدْبَرَ فَإِذَا فَرَغَ رَجَعَ وَجَعَلَ يُوَسْوِسُ إلَى الْمُصَلِّي أَنَّهُ كَمْ صَلَّى».فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّثْوِيبَ بَعْدَ الْأَذَانِ، وَكَانَ التَّثْوِيبُ الْأَوَّلُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَذَّنَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ جَاءَ إلَى بَابِ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فَقَالَ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الرَّسُولُ نَائِمٌ فَقَالَ بِلَالٌ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَلَمَّا انْتَبَهَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَوْلُهُ) فَأَحْدَثَ النَّاسُ هَذَا التَّثْوِيبَ إشَارَةٌ إلَى تَثْوِيبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ أَلْحَقُوا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بِالْأَذَانِ وَجَعَلُوا التَّثْوِيبَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ.قَالَ (وَالتَّثْوِيبُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا يَتَعَارَفُونَهُ إمَّا بِالتَّنَحْنُحِ أَوْ بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ أَوْ بِقَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) لِأَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ.قَالَ (وَلَا تَثْوِيبَ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى مُؤَذِّنًا يُثَوِّبُ فِي الْعِشَاءِ فَقَالَ أَخْرِجُوا هَذَا الْمُبْتَدِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ دَخَلْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ فَسَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُثَوِّبُ فَغَضِبَ وَقَالَ قُمْ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ فَمَا كَانَ التَّثْوِيبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ.وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ تُؤَدَّى فِي حَالِ نَوْمِ النَّاسِ وَلِهَذَا خُصَّتْ بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ فَخُصَّتْ أَيْضًا بِالتَّثْوِيبِ لِكَيْ لَا تَفُوتَ النَّاسَ الْجَمَاعَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ يُؤَذِّنُ لِلْفَجْرِ ثُمَّ يَقْعُدُ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُثَوِّبُ ثُمَّ يَقْعُدُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُقِيمُ لِحَدِيثِ بِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إذَا أَذَّنْت فَأَمْهِلْ النَّاسَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ وَالْمُعْتَصِرُ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ» وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ التَّثْوِيبَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَذَانِ كَانَ بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ فَيُسْتَحْسَنُ التَّثْوِيبُ بِهِمَا أَيْضًا هَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَاسْتَحْسَنُوا التَّثْوِيبَ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ ازْدَادَ بِهِمْ الْغَفْلَةُ وَقَلَّمَا يَقُومُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ فَيُسْتَحْسَنُ التَّثْوِيبُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ وَمِثْلُ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ.وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَخُصَّ الْأَمِيرَ بِالتَّثْوِيبِ فَيَأْتِيَ بَابَهُ فَيَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْأَمِيرُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ الصَّلَاةُ يَرْحَمُك اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَرَاءَ لَهُمْ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ بِأَشْغَالِ الْمُسْلِمِينَ وَرَغْبَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُخَصُّوا بِالتَّثْوِيبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ اشْتِغَالُهُ نَصَبَ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَرِهَ هَذَا وَقَالَ أُفًّا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ خَصَّ الْأُمَرَاءَ بِالذِّكْرِ وَالتَّثْوِيبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ حَجَّ أَتَاهُ مُؤَذِّنُ مَكَّةَ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ فِي أَذَانِك مَا يَكْفِينَا قَالَ (وَيَتَرَسَّلُ فِي الْأَذَانِ وَيَحْدُرُ فِي الْإِقَامَةِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْت فَاحْدُرْ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ فَالتَّرَسُّلُ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَالْمَقْصُودَ مِنْ الْإِقَامَةِ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فَالْحَدْرُ فِيهَا أَبْلَغُ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ.قَالَ (فَإِنْ تَرَسَّلَ فِيهِمَا أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ أَقَامَ الْكَلَامَ بِصِفَةِ التَّمَامِ وَحَصَلَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ فَتَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ قَالَ (وَيَجُوزُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَيُكْرَهُ مَعَ الْجَنَابَةِ حَتَّى يُعَادَ أَذَانُ الْجُنُبِ وَلَا يُعَادَ أَذَانُ الْمُحْدِثِ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُعَادُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُعَادُ فِيهِمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَذَانَ ذِكْرٌ وَالْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ لَا يُمْنَعَانِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ حَاصِلٌ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَذَانَ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْقِبْلَةَ، وَالصَّلَاةُ مَعَ الْحَدَثِ لَا تَجُوزُ فَمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِهِ مُشَبَّهٌ بِهِ يُكْرَهُ مَعَهُ، ثُمَّ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُو النَّاسَ إلَى التَّأَهُّبِ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّبًا لَهَا دَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}.وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رُبَّمَا أَذَّنَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ الْأَذَانُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُقَاسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُحْدِثُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُمْنَعُ مِنْهُ الْجُنُبُ فَكَذَلِكَ الْأَذَانُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ جَعْلُ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا.وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: أَكْرَهُ الْإِقَامَةَ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ يَتَّصِلُ بِهَا إقَامَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْحَدَثِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ قَالَ (وَيُكْرَهُ الْأَذَانُ قَاعِدًا) لِأَنَّهُ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا قَالَ: فَقَامَ الْمَلَكُ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَتَمَامُهُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَلَكِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَقْصُودِ حَاصِلٌ قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ وَيُقِيمَ آخَرُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْأَذَانِ نَصِيبٌ فَأَمَرَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ بِلَالٌ وَيُقِيمَ» هُوَ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِكْرٌ مَقْصُودٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ آخَرُ وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ الْحَارِثَ الصُّدَائِيَّ أَذَّنَ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ وَبِلَالٌ كَانَ غَائِبًا فَلَمَّا رَجَعَ بِلَالٌ وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَخَا صُدَاءَ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ» إنَّمَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ تَعْلِيمِ حُسْنِ الْعِشْرَةِ لَا أَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ قَالَ (وَإِنْ تَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فِي أَذَانِهِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ حَصَلَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالْكَرَاهِيَةُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ قَالَ (وَيُؤَذِّنُ الْمُسَافِرُ رَاكِبًا إنْ شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا فِي السَّفَرِ رُبَّمَا أَذَّنَ رَاكِبًا وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْأَذَانَ أَصْلًا فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ رَاكِبًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.قَالَ (وَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ أَحَبُّ إلَيَّ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ يَتَّصِلُ بِهَا إقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ فَيَنْزِلُ لِلْإِقَامَةِ لِهَذَا قَالَ (وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُسَافِرُ بِالْإِقَامَةِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ السَّفَرَ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِشَطْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَكُونَ مُسْقِطًا لِأَحَدِ الْأَذَانَيْنِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ النَّاسِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَهُمْ فِي السَّفَرِ مُجْتَمِعُونَ وَالْإِقَامَةُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَهُمْ إلَيْهَا مُحْتَاجُونَ فَيُؤْتَى بِهَا فِي السَّفَرِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ لِهَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْتِيَ بِهِمَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ إنْ سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْثَرُكُمَا قُرْآنًا» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَذَّنَ فِي أَرْضٍ قَفْرٍ وَأَقَامَ صَلَّى بِصَلَاتِهِ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ إلَّا مَلَكَاهُ»قَالَ (وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ) لِأَنَّهُمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَجَمَاعَتُهُنَّ مَنْسُوخَةٌ لِمَا فِي اجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّيْنَ بِالْجَمَاعَةِ صَلَّيْنَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لِحَدِيثِ رَابِطَةَ قَالَتْ كُنَّا جَمَاعَةً مِنْ النِّسَاءِ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَمَّتْنَا وَقَامَتْ وَسَطَنَا وَصَلَّتْ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِالصُّعُودِ إلَى أَعْلَى الْمَوَاضِعِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْأَذَانِ وَالْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةٌ مِنْ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، فَإِنْ صَلَّيْنَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُنَّ مَعَ الْإِسَاءَةِ لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالتَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ قَالَ (وَإِنْ صَلَّى أَهْلُ الْمِصْرِ بِجَمَاعَةٍ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَقَدْ أَسَاءُوا) لِتَرْكِ سُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ وَجَازَتْ صَلَاتُهُمْ لِأَدَاءِ أَرْكَانِهَا وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ وَلَكِنَّهُمَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَتَرْكُهُمَا ضَلَالَةٌ هَكَذَا قَالَ مَكْحُولٌ السُّنَّةُ سُنَّتَانِ سُنَّةٌ أَخْذُهَا هَدْيٌ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَسُنَّةٌ أَخْذُهَا هَدْيٌ وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَصَرَّ أَهْلُ الْمِصْرِ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أُمِرُوا بِهِمَا فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا عَلَى ذَلِكَ بِالسِّلَاحِ كَمَا يُقَاتَلُونَ عِنْدَ الْإِصْرَارِ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُقَاتَلَةُ بِالسِّلَاحِ عِنْدَ تَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ فَأَمَّا فِي السُّنَنِ فَيُؤَدَّبُونَ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ مَا كَانَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِخْفَافٌ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ لِهَذَا قَالَ (فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي بَيْتِهِ فَاكْتَفَى بِأَذَانِ النَّاسِ وَإِقَامَتِهِمْ أَجْزَأَهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فِي بَيْتٍ فَقِيلَ لَهُ أَلَا تُؤَذِّنُ فَقَالَ أَذَانُ الْحَيِّ يَكْفِينَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ يُؤَذَّنْ فِيهِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ الْمُقِيمُ أُذِّنَ وَأُقِيمَ فِيهِ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا.قَالَ (وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَهُوَ حَسَنٌ) لِأَنَّ الْمُنْفَرِدَ مَنْدُوبٌ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ عَلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَكَذَلِكَ إنْ أَقَامَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ فَهُوَ حَسَنٌ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ النَّاسِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا وَالْإِقَامَةُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُقِيمُهَا قَالَ (وَلَيْسَ لِغَيْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ) أَمَّا لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَلِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» وَكَذَلِكَ تَوَارَثَهُ النَّاسُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ فَلِأَنَّهَا لَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ إلَّا فِي التَّرَاوِيحِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ وَعِنْدَ أَدَائِهَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ وَأَمَّا فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ فَلِأَنَّهَا لَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ إلَّا التَّرَاوِيحَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ وَهِيَ تَبَعٌ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَقَدْ أُذِّنَ وَأُقِيمَ لَهَا وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَدَائِهَا، فَأَمَّا الْجُمُعَةُ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ مَكْتُوبٌ وَالْأَذَانُ لَهُ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الْبَيْعُ وَيَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ فَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَقُولُ هُوَ الْأَذَانُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ لِلْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رُوِيَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «كَانَ الْأَذَانُ لِلْجُمُعَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَخْرُجُ فَيَسْتَوِي عَلَى الْمِنْبَرِ وَهَكَذَا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا» ثُمَّ أَحْدَثَ النَّاسُ الْأَذَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ يَقُولُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ عَلَى الْمَنَارَةِ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ الْأَذَانَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يَفُوتُهُ أَدَاءُ السُّنَّةِ وَسَمَاعُ الْخُطْبَةِ وَرُبَّمَا تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ بَيْتُهُ بَعِيدًا عَنْ الْجَامِعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ كُلَّ أَذَانٍ يَكُونُ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُ الْأَذَانِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عَلَى الزَّوْرَاءِ قَالَ (وَلَا يَتَكَلَّمُ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ) لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ كَالْخُطْبَةِ فَيُكْرَهُ التَّكَلُّمُ فِي خِلَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْحُرْمَةِ، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُكْرَهُ رَدُّ السَّلَامِ فِي خِلَالِ الْأَذَانِ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِرَدِّ السَّلَامِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: يُحْتَمَلُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ أَذَانِهِ قَالَ (وَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُهُ فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ إعْلَامُ النَّاسِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَقَبْلَ الْوَقْتِ يَكُونُ تَجْهِيلًا لَا إعْلَامًا وَلِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ مُؤْتَمَنٌ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» وَفِي الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ إظْهَارُ الْخِيَانَةِ فِيمَا ائْتُمِنَ فِيهِ وَلَوْ جَازَ الْأَذَانُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَأَذَّنَ عِنْدَ الصُّبْحِ خَمْسَ مَرَّاتٍ لِخَمْسِ صَلَوَاتٍ وَذَلِكَ لَا يُجَوِّزُهُ أَحَدٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آخِرًا: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ لِلْفَجْرِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَدَلَّا بِتَوَارُثِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ مُشْتَبَهٌ وَفِي مُرَاعَاتِهِ بَعْضُ الْحَرَجِ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَاسَا الْأَذَانَ لِلْفَجْرِ بِالْأَذَانِ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِالْمَعْنَى الَّذِي بَيَّنَّا وَفِي الْأَذَانِ لِلْفَجْرِ قَبْلَ الْوَقْتِ إضْرَارٌ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمِهِمْ فَيَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ إذَا سَمِعَ مَنْ يُؤَذِّنُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ عُلُوجُ فَرَاحٍ لَا يُصَلُّونَ إلَّا فِي الْوَقْتِ، لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ لَأَدَّبَهُمْ فَأَمَّا أَذَانُ بِلَالٍ فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِاللَّيْلِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَا إنَّ الْعَبْدَ قَدْ زَامَ فَكَانَ يَبْكِي وَيَطُوفُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَقُولُ لَيْتَ بِلَالًا لَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مُعَاتَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، وَقِيلَ إنَّ أَذَانَ بِلَالٍ مَا كَانَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَكِنْ كَانَ لِيَنَامَ الْقَائِمُ وَيَقُومَ النَّائِمُ فَقَدْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً يَتَهَجَّدُونَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ اللَّيْلِ وَفِرْقَةً فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، وَكَانَ الْفَاصِلُ أَذَانَ بِلَالٍ.وَإِنَّمَا كَانَ صَلَاةُ الْفَجْرِ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَغُرَّنكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَيَتَسَحَّرَ صَائِمُكُمْ وَيَقُومَ نَائِمُكُمْ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَكَانَ هُوَ أَعْمَى لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ أَصْبَحْت أَصْبَحْت قَالَ (وَإِذَا دَخَلَ الْقَوْمُ مَسْجِدًا قَدْ صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ كَرِهْت لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَتْ الصَّحَابَةُ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ فَمِنْهُمْ مَنْ اتَّبَعَ الْجَمَاعَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَرَجَعَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ لَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بَأْسَ بِتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَسَاجِدِ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (وَلَنَا) أَنَّا أُمِرْنَا بِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ وَفِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ تَقْلِيلُهَا لِأَنَّ النَّاسَ إذَا عَرَفُوا أَنَّهُمْ تَفُوتُهُمْ الْجَمَاعَةُ يُعَجِّلُونَ لِلْحُضُورِ فَتَكْثُرُ الْجَمَاعَةُ وَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَا تَفُوتُهُمْ يُؤَخِّرُونَ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَاتِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَسْجِدَ الَّذِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَوْمٌ مَعْلُومُونَ فَكُلُّ مَنْ حَضَرَ يُصَلِّي فِيهِ فَإِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ الْمَحَالِّ إنْ صَلَّى غَيْرُ أَهْلِهَا بِالْجَمَاعَةِ فَلِأَهْلِهَا حَقُّ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ لِأَهْلِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ إلَيْهِمْ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، فَأَمَّا إذَا صَلَّى فِيهِ أَهْلُهَا أَوْ أَكْثَرُ أَهْلِهَا فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ حَقُّ الْإِعَادَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إنْ وَقَفَ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ فِي زَاوِيَةٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْمَعْهُودِ لِلْإِمَامِ فَصَلَّوْا بِأَذَانٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ.لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ وَقَامَ يُصَلِّي فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَحَدٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا يَقُومُ فَيُصَلِّي مَعَهُ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَلَّى مَعَهُ.قَالَ (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ عَنْ وَقْتِهَا فَقَضَاهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً) لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ مَا انْتَبَهَ مَعَ أَصْحَابِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَضَى الْفَجْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَمَرَ بِلَالًا بِهِمَا» «وَشُغِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ بَعْدَ هَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ» قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا» وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ» «وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ».قَالَ (وَإِنْ اكْتَفَوْا بِالْإِقَامَةِ جَازَ) لِأَنَّ الْأَذَانَ لِإِعْلَامِ النَّاسِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِقَامَةَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فَهُوَ حَسَنٌ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى سُنَنِ الْأَدَاءِ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ ظُهْرُ أَمْسِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمِ غَيْرِ ذَلِكَ) وَهَا هُنَا مَسَائِلُ.إحْدَاهَا اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَيَكُونُ أُمَرَاءُ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا فَإِذَا فَعَلُوا فَصَلُّوا أَنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ثُمَّ صَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً، وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ بَنَى صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ كَمَا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ، وَبِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةٍ انْعَقَدَتْ لِلْفَرْضِ يَجُوزُ وَكَذَلِكَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَأَمَّا الْمُفْتَرِضُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُتَنَفِّلِ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَصِحُّ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ وَلِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي فِي التَّحْرِيمَةِ، وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ يَسْتَدْعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْرِيمَةً مُطْلَقَةً فَكَمَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَكَذَلِكَ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ.(وَلَنَا) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» مَعْنَاهُ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْقَوْمِ وَتَضْمِينُ الشَّيْءِ فِيمَا هُوَ فَوْقَهُ يَجُوزُ وَفِيمَا هُوَ دُونَهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَالصِّفَةِ، وَالنَّفَلُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُفْتَرِضًا فَصَلَاتُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةٍ فَصَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَصَلَاتُهُ لَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْقَوِيَّ عَلَى أَسَاسٍ ضَعِيفٍ.وَحَدِيثُ مُعَاذٍ تَأْوِيلُهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَأْتِيَ قَوْمَهُ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ الْفَرْضَ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ تَغَايُرَ الْفَرْضَيْنِ عِنْدَنَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ حَتَّى إذَا اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْعَصْرِ أَوْ مُصَلِّي عَصْرِ يَوْمِهِ بِمُصَلِّي عَصْرِ أَمْسِهِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِدَاءُ.وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ.وَإِذَا اقْتَدَى مُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ أَوْ مُصَلِّي الظُّهْرِ بِالْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَلَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا الْخِلَافُ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا هُوَ أَنَّ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي لَا تَقْوَى عِنْدَهُ حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ فَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ.وَعِنْدَنَا الْمُشَارَكَةُ تَقْوَى بَيْنَهُمَا فَتَغَايُرُ الْفَرْضَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُشَارَكَةِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ حَتَّى لَوْ ضَحِكَ قَهْقَهَةً يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ صَحِيحٌ إنَّمَا لَا يَصِحُّ فِي الْجِهَةِ.وَفِي بَابِ الْحَدَثِ قَالَ: لَا يَصِيرُ شَارِعًا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ لَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ.وَمَا ذُكِرَ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْجِهَةِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَمَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْجِهَةَ مَتَى فَسَدَتْ صَارَ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ قَالَ (وَيَجُوزُ أَذَانُ الْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْرَابِيِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ حَاصِلٌ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى.أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لَا يَتَفَرَّغُ لِمُحَافَظَةِ الْمَوَاقِيتِ وَرُوِيَ أَنَّ وَفْدًا جَاءُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ مَنْ يُؤَذِّنُ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: عَبِيدُنَا، قَالَ: إنَّ هَذَا لَنَقْصٌ بِكُمْ.وَأَمَّا الْأَعْمَى فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِ فِي مَعْرِفَةِ الْمَوَاقِيتِ وَكَانَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُؤَذِّنٌ أَعْمَى يُقَالُ لَهُ مَعْبَدٌ فَقَالَ لَهُ: لَا تَكُنْ آخِرَ مَنْ يُقِيمُ وَلَا أَوَّلَهُمْ.وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا وَالْأَعْرَابِيِّ فَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَذَانَ ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ مُتَبَرَّكًا بِهِ وَلِهَذَا قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَفِيهِ حَدِيثٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَؤُمُّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ»قَالَ (وَإِنْ أَذَّنَ لِلْقَوْمِ غُلَامٌ مُرَاهِقٌ أَجْزَأَهُمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِأَذَانِهِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالْبَالِغُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مُرَاعَاةِ الْحُرْمَةِ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ وَالْأَذَانُ لِلْمَكْتُوبَاتِ خَاصَّةً فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَذِّنَ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْمَكْتُوبَاتِ قَالَ (وَإِنْ أَذَّنَتْ لَهُمْ امْرَأَةٌ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ أَذَانَ النِّسَاءِ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَلِأَنَّ فِي صَوْتِهَا فِتْنَةً وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْأَذَانُ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ قَالَ (وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ حَيْثُ يَكُونُ أَسْمَعَ لِلْجِيرَانِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إعْلَامُهُمْ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَفِي الْحَدِيثِ «يَشْهَدُ لِلْمُؤَذِّنِ مَنْ سَمِعَ صَوْتَهُ أَوْ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ» قَالَ (وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَرُبَّمَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ) وَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُؤَذِّنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُجْهِدُ نَفْسَهُ فَقَالَ أَمَا تَخْشَى أَنْ يَنْقَطِعَ مُرَيْطَاؤُك وَالْمُرَيْطَاءُ عِرْقٌ مُسْتَبْطِنٌ بِالصُّلْبِ فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَيَاةٌ.قَالَ (وَلَا أَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي صَوْمَعَتِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ رُبَّمَا تَطَوَّعَ فِي صَوْمَعَتِهِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّطْحِ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ.قَالَ (وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَجْزِمَ قَوْلَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ) وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَالَ (وَالتَّلْحِينُ فِي الْأَذَانِ مَكْرُوهٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: إنِّي أُحِبُّك فِي اللَّهِ.فَقَالَ: إنِّي أُبْغِضُك فِي اللَّهِ.فَقَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تُغَنِّي فِي أَذَانِك يَعْنِي التَّلْحِينَ وَأَمَّا التَّفْخِيمُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إحْدَى اللُّغَتَيْنِ قَالَ (وَإِنْ افْتَتَحَ الْأَذَانَ فَظَنَّ أَنَّهَا الْإِقَامَةُ فَأَقَامَ فِي آخِرِهَا بِأَنْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْأَذَانَ ثُمَّ يُقِيمُ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِقَامَةِ فَظَنَّ أَنَّهَا الْأَذَانُ فَصَنَعَ فِيهَا مَا صَنَعَ فِي الْأَذَانِ أَعَادَهَا مِنْ أَوَّلِهَا) لِأَنَّ هُنَا وَقَعَ التَّعْيِينُ فِي جَمِيعِهَا وَفِي الْأَوَّلِ فِي آخِرِهَا وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ إعْلَامُ النَّاسِ لِيَحْضُرُوا وَبِالْإِقَامَةِ فِي آخِرِهَا لَا يَفُوتُ هَذَا الْمَقْصُودُ بَلْ يَزْدَادُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُعَجِّلُونَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الْإِقَامَةُ فَلِهَذَا لَا يُعِيدُهَا وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ إقَامَةُ الصَّلَاةِ وَالتَّعْجِيلُ لِلْإِدْرَاكِ فَإِذَا صَنَعَ فِي الْإِقَامَةِ مَا يَصْنَعُ فِي الْأَذَانِ يَفُوتُ هَذَا الْمَقْصُودُ لِأَنَّ النَّاسَ يَظُنُّونَ أَنَّهُ الْأَذَانُ فَيَنْتَظِرُونَ الْإِقَامَةَ فَلِهَذَا يُعِيدُ الْإِقَامَةَ مِنْ أَوَّلِهَا.قَالَ (فَإِنْ غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً فِي الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ غُشِيَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ فَكَذَلِكَ فِيمَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ قَالَ (وَإِنْ رَعَفَ فِيهَا أَوْ أَحْدَثَ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَهَا مِنْ أَوَّلِهَا) لِأَنَّ بِذَهَابِهِ انْقَطَعَ النَّظْمُ فَرُبَّمَا يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ أَوْ يَتَعَلَّمُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَالْأَوْلَى لَهُ إذَا أَحْدَثَ فِي أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَذَانِ مَعَ الْحَدَثِ يَجُوزُ فَإِتْمَامُهُ أَوْلَى قَالَ (وَإِذَا قَدَّمَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ عَلَى بَعْضٍ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا سَبَقَ أَدَاؤُهُ يُعْتَدُّ بِهِ حَتَّى لَا يُعِيدَهُ فِي أَذَانِهِ) وَمَا يَقَعُ مُكَرَّرًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُكَرِّرْ قَالَ (وَإِذَا وَقَعَ فِي إقَامَتِهِ فَمَاتَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِقَامَةَ غَيْرُهُ مِنْ أَوَّلِهَا) لِأَنَّ عَمَلَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ وَلَا بِنَاءَ عَلَى الْمُنْقَطَعِ قَالَ (مُؤَذِّنٌ أَذَّنَ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنْ اعْتَدُّوا بِأَذَانِهِ وَأَمَرُوا مَنْ يُقِيمُ وَيُصَلِّي بِهِمْ أَجْزَأَهُمْ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ قَدْ حَصَلَ بِأَذَانِهِ وَبُطْلَانُ ثَوَابِ عَمَلِهِ بِالرِّدَّةِ فِي حَقِّهِ لَا يُبْطِلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا تَبْطُلُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ قَالَ (وَيَقْعُدُ الْمُؤَذِّنُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَصِلَ الْإِقَامَةَ بِالْأَذَانِ وَلَا يَقْعُدَ بَيْنَهُمَا) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ» وَالْأَوْلَى بِهِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي قَبْلَهَا تَطَوُّعٌ مَسْنُونٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ جَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} أَنَّهُ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُو النَّاسَ بِأَذَانِهِ وَيَتَطَوَّعُ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ فَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَيُكْرَهُ لَهُ وَصْلُ الْإِقَامَةِ بِالْأَذَانِ كَمَا فِي غَيْرِهَا وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وَذَكَرَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ مِقْدَارَ جِلْسَةِ الْخَطِيبِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَالْإِقَامَةِ بِجِلْسَةٍ وَلِأَنَّ السَّكْتَةَ تُشْبِهُ السَّكَتَاتِ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهَا الْفَصْلُ فَالْجِلْسَةُ لِلْفَصْلِ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أُمِرْنَا بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ وَقَالَ بَادِرُوا بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَالنُّجُومُ مُشْتَبِكَةٌ» وَالْفَصْلُ بِالسَّكْتَةِ أَقْرَبُ إلَى تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ.وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَيُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا صَلَّى يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي وَالتَّنَفُّلُ بِالْأَذَانِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلِأَنَّ الْأَذَانَ مُخْتَصٌّ بِالْمَكْتُوبَاتِ فَإِنَّمَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَى أَثَرِهِمْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الثَّانِي يُصَلِّي النَّافِلَةَ عَلَى أَثَرِهِمَا قَالَ (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ طَلَبُ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَوْمِ) لِأَنَّهُمَا يَعْمَلَانِ لِأَنْفُسِهِمَا فَكَيْفَ يَشْتَرِطَانِ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِمَا ثُمَّ هُمَا خَلِيفَتَانِ لِلرَّسُولِ فِي الدُّعَاءِ وَالْإِمَامَةِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَمَنْ يَكُونُ خَلِيفَتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ صَلِّ بِالنَّاسِ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ وَإِذَا اُتُّخِذْت مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا وَقَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنِّي أُحِبُّك فِي اللَّهِ.فَقَالَ: إنِّي أُبْغِضُك فِي اللَّهِ.قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا فَإِنْ عَرَفَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُ فَوَاسَوْهُ بِشَيْءٍ فَمَا أَحْسَنَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ عَنْ شَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِحِفْظِ الْمَوَاقِيتِ وَإِعْلَامِهِ لَهُمْ فَرُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِلْكَسْبِ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُهْدُوا إلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ فَقَدْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ وَعَلَى هَذَا قَالُوا الْفَقِيهُ الَّذِي يُفْتِي فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْفُتْيَا شَيْئًا عَنْ شَرْطٍ فَإِنْ عَرَفُوا حَاجَتَهُ فَأَهْدَوْا إلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَيْهِمْ فِي تَفْرِيغِ نَفْسِهِ عَنْ الْكَسْبِ وَحِرَاسَةِ أَمْرِ دِينِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلُوا إحْسَانَهُ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ قَالَ (وَاَلَّذِي يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَوْلَى بِالْأَذَانِ مِنْ غَيْرِهِ) لِأَنَّ صَوْتَهُ يَصِيرُ مَعْهُودًا لِلْقَوْمِ فَلَا يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ وَإِنْ أَذَّنَ السُّوقِيُّ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَأَذَّنَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ غَيْرُهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السُّوقِيَّ مُحْتَاجٌ إلَى الْكَسْبِ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمَحَلَّةِ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ (وَإِذَا أَذَّنَ السَّكْرَانُ أَوْ الْمَجْنُونُ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدُوا)؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْظِيمِ لَا يَحْصُلُ بِأَذَانِهِمَا وَعَامَّةُ كَلَامِ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ هَذَيَانٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ فَرُبَّمَا يُشْتَبَهُ عَلَى النَّاسِ فَالْأَوْلَى إعَادَةُ أَذَانِهِمْ قَالَ (وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْمَسْجِدَ وَيَنْصِبُوا وَسَطَهُ حَائِطًا) لِأَنَّ بُقْعَةَ الْمَسْجِدِ تَحَرَّرَتْ عَنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَصَارَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِسْمَةُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يُشْتَغَلُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ عَلَى حِدَةٍ مَا لَمْ يَنْتَقِضُوا الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ مَسْجِدَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ عَلَى حِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|